أشعر انه يتم استدراجنا الآن إلي معارك ليس لها علاقة بالثورة و أهدافها. الناتج من هذه المعارك هو تقسيم كعكة السلطة بين أطراف عندهم مصلحة في بقاء منظومة الاستبداد التي ثار لتحطيمها المصريون في يناير 2011.
كان لهتاف “الشعب يريد إسقاط النظام” في الثورة دلالات عميقة تتعدي تنحي حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية. منظومة الاستبداد كانت ترتكز علي أربع دعائم هي:
- عدم الشفافية: لم يكن يعلم الشعب ما يحدث في دهاليز السلطة حيث تحدد مصائره.
- الانعزالية: كان هناك إحساس عام بالضعف و قلة الحيلة و عدم القدرة علي علي توصيل الآلام و المعانة و الأحلام ل”أولي الأمر”.
- الهيمنة المطلقة: كانت النظام يسعي لأن يكون المتحكم الذي ليس له منازع في مصائر الخلق. كان هناك إحباط لمحاولات المبادرة الفردية أو الجماعية. حتي المؤسسات الغير حكومية كانت تعاني من تدخل سافر من الدولة في عملها و حرية حركتها.
- تزييف الوعي: كان النظام يقوم بحملات منظمة لنشر أكاذيبه و إعطاء الإنطباع انه يعمل من الأجل الشعب و مصالحه في مواجهة قوى خفية تريد الشر لمصر. كان أحد محفزات الثورة أن النظام فقد القدرة علي تطوير أدائه في ظل التطور الرهيب الذي حدث في سبل الاتصالات في العقد السابق.
هذه الدعائم أدت بدورها لانتشار المحسوبية و الفساد لدرجة جعلت الحياة اليومية للمواطن العادي لا تطاق. لهذا هتفنا “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” في الثورة و نحن نعترض علي الناتج الطبيعي لهذه المنظومة.
الآن نري جماعة الإخوان في أوج صراع عنيف من أجل السلطة و ليس من الغريب أن نري كثير من الثوار منحاز إلي الجماعة في هذا الصراع المحموم. العسكر هم من قتل و سحل و عري و عذب و أعتقل من بعد التنحي. الإخوان و إن كانوا تخلوا عن رفقائهم في الثورة لم تلطخ أيديهم بالدماء (علي الأقل بالشكل المباشر). قد يبدوا لكثيرون أنهم أولي بالتأيد في هذه اللحظة. هذا علي أساس انه يمكننا أن بعد نساعدهم في سحب كل مقاليد السلطة من العسكر أن نكمل صراعنا معهم كمدنيين أمثالنا.
أرى في ذلك سقطة فكرية و منهجية شديدة. في قراءتي لأحداث ما بعد التنحي أري أن الإخوان هم شديدي الحرص علي الحفاظ علي الدعائم الأربعة السالف ذكرها. آري في تنظيم الإخوان الداخلي تكريس لهذه الدعائم و لهذا لا أستطيع أن أراهم محطمون لها. و إن كنت أرى في بعض شبابهم بصيص لبادرة أمل و لكن قياداتهم لا أمل فيهم و لا رجاء.
صراع القوى القائم اليوم بين الإخوان و العسكر ليس له علاقة بما أراه انه الهدف الرئيسي المستتر لقيام الثورة و هو:
بناء نظام سياسي و اقتصادي بتميز بالشفافية و الانفتاح و يتيح لأفراد المجتمع كامل الحرية في اتخاذ المبادرات الإصلاحية و العمل لحل مشاكل الوطن بشكل جمعي.
هذا الهدف يستحيل تحقيه طالما لم تهدم دعائم الاستبداد. لا أري جدوي من إهدار الثوار لمجهوداتهم في “حروب رمزية” ضد المجلس العسكري أو أن يهبوا لمساعدة الإخوان طالما إن هناك غياب للرؤية في كيفية تحطيم هذا الدعائم. الأفضل هو استغلال اللحظة لرسم مسار لتحطيم هذه الدعائم العفنة و استبدالها بدعائم أكثر نبلاً و فاعلية لتحقيق أمال المصريين في إطلاق طاقاتهم الإبداعية و الإصلاحية.
الهتاف في التحرير ضد النتائج الطبيعية لمنظومة الاستبداد لن يغير من الواقع شيئ طالما لم تصحبه رؤية واضحة لخلق نظام أفضل. المعركة الآن يجب أن تكون من أجل خلق دعائم لنظام جديد و نشر التوافق عليه.