07/7/11

إنطباعات عن إلتقاء الطيور الرابع: عن الإقتصاد


بداية اعتذر لقراء مدونتى عند عن عدم الكتابة عن إلتقاء الطيور الثالث الذى تم فى الأسكندرية و ذلك لظروف عملى التى حالت بينى و حضور هذه اللقاء الرائع.

كنت متحمساً جداً لهذه الندوة التى حاول فيها المشاركون تلمس شكل النظام الإقتصادى فى مصر بعد الثورة و معنى العدالة الإجتماعية و كيفية تطبيقها. المعروف للجميع ان تحقيق العدالة الإجتماعية مطلب رئيسى و كان الهتاف الأول للثورة “عيش، حرية، كرامة إنسانية” تعبيراً عن هذا و طلباً فى إعادة تنظيم المجتمع بشكل جديد.
و قد كان تجاهل كثيراً من النخب الفكرية لحقوق الفقراء و حصر خطابهم فى جدل حول مسار التحول الديمقراطى المختزل فى “الدستور اولاُ” او “الإنتخابات اولاً” سبباً فى ذياع سيط المدونة محمد ابو الغيط “الفقراء اولاً يا ولاد الكلب“. و تفاقم الحال لدرجة ان كلمة “نخبة” اصبحت سبة و كأن كل من صنف ضمن هذا الفريق منفصل عن مجتمعه و يعيش فى برج عاجى ينظّر فيه بعيداً عن آلام الواقع و مرارته. و نحن الأن على أعتاب جمعة 8 يوليو نجد من يطلقون على هذا اليوم “جمعة الفقراء اولاً”. لكنى لا ارى نفسى موافق فى إختزال اولوية العمل الثورى فى شعار كهذا كما عبر عن ذلك عمرو عزت فى مقاله الرائع. و بعيداً عن الإختزالات فقد آن الأوان للحديث عن الإقتصاد و شكله بعد الثورة و بناء ارضية مشتركة تستوعب الإختلافات و توحد الغايات.
فى هذه الندوة حاول علاء عبد الفتاح ان يتغلب على بعض المشاكل التى بدت جلية فى اللقاء الثانى من عدم إحساس كثير من الحضور بالتفاعل و المشاركة. كان النصف الأول للندوة مخصصاً لحوار مفتوح مع الحضور يطرحون فيه رؤاهم لمعنى العدالة الإجتماعية و يتم فى النصف الثانى توجيه اسئلة للمتحدثين بناء على ما طرحة الحضور من آراء و تساؤلات. و نجحت هذه الطريقة فى التنظيم الى حد كبير فى زيادة تركيز و مشاركة الحضور و تحركت حبال الحديث بوتيرة سريعة جعلتها امتع تويت ندوة حضرتها.

المتحدثين كانوا فريقان: إشتراكيون ممثلون فى خالد على و وائل جمال و لبنى درويش و ليبراليون ممثلون فى وائل نوارة و مينوش عبد المجيد. احب هنا ان القى الضوء على بعض مجريات الندوة:

  • كان هناك اتفاق على ان العدلة الإجتماعية مطلب اساسى يحب ان يتم السعى إلى تحقيقه.
  • اختلف الحضور و المتحدثون عن مدلول العدالة الإجتماعية. البعض رأى انها تعنى تحقيق حد ادنى من الحياة الإنسانية و أخرون تكلموا على وجوب إلغاء التفاوتات الطبقية الشاسعة
  • ابدى كثير من اللبرالييون توجسهم من افكار لبنى درويش الراديكلية
  • كان هناك إتفاق على ضرورة فرض ضرائب تصاعدية و لكن بعد الحضور من الرأسماليين ابدوا انزعاجهم عندما ذكرت ارقام مثل 75% من الدخل او الربح
  • بينما طالب الإشتراكيون بضرورة إتاحة الفرصة لأطر جديدة لتنظيم الحركة الإقتصادية لم يكونوا واضحيين بالقدر الكافى فى كيفية عمل ذلك. كان هناك بعض التناقض بين اهمية دور الدولة فى لعب دور اكبر فى الحركة الإقتصادية و فى نفس الوقت دعوة لعدم بناء بيروقراطية قد تقتل قدرة المواطنيين على حل مشاكلهم الإقتصادية بنفسهم.
  • وضح الإشتراكيون انهم لا يدعون لأفكار بالية كرأسمالية الدولة و نموذج الإتحاد السوفييتى و لكن هم يريدون اشكال جديدة لتنظيم الحركة الإقتصادية فيها بعد إنسانى.
  • الليبراليون اشاروا إلى ان ما طبق فى مصر فى العقود السابقة لم يكن إقتصاداً رأسمالى حر و لكن كانت رأسمالية محاسيب يتم فيه وضح كثيراً من العراقيل امام صغار المستثمرين
  • إعترف الليبراليون بمشاكل الإقتصاد الحر (خاصة النموذج الأمريكى) و ما يسببه من تذبذب و إنهيارت إقتصادية مع ما يصاحب ذلك من الظلم الإجتماعى و لكنهم رأوا انه لا خيار من المضى قدماً فى هذه المنظومة مع ترشيد مساؤها من خلال تفعيل أليات للرقابة الإقتصادية و سن القوانين التى تشجع على المنافسة و تمنع الإحتكار.
  • اتفق الفريقان على ضرورة اعطاء الفرصة و الحرية للطبقة العاملة فى إكتشاف حلول جديدة لمشاكلهم الإقتصادية و إن كانوا عبروا عن أراء متباينة فيما بيهم عن دور الدولة فى تحقيق ذلك.
  • يرى كاتب هذه السطور ضرورة ان يتم بناء نماذج محاكاه (Simulation models) لتقييم اى سياسات على الحركة الإقتصادية و تأثيرها على توزيع الثروة و جودة الحياة لدى المواطنين (Quality of life). هذه النماذج لا يمكن فى اى حال من الأحوال ان تحاكى الواقع بكل تعقيداته و لكنها فى تباينها تكشف عن الإفتراضات التى قام بها مصميها و تعطى إطاراً علمياً يتم فيه مناقشة الأفكار و تنقيحها و التعلّم من الواقع بعيداً عن الحلول الإيديلوجية المعلبة. و اود ان اذكر هنا المجهودات التى تمت فى هذا المضمار من الباحثون فى علم المتداخلات (Complexity Science) و الموجة الثالثة فى النمذجة الإجتماعية.
  • فى نهاية الندوة احسست اننا بدأنا فى الإقتراب من توضيح غايات النظام الإقتصادى المنشود و ان كنا نسعى إليه من خلفيات فكرية متباينة. ارجوا ان يستمر هذا الحوار و ان نستثمر فترة إعتصامنا المقبلة فى التوافق على هذه الغايات و لنفكر فى حلول مبتكرة لتحقيقها.
  • فى نهاية الندوة قمنا بمظاهرة رائعة من مسرح روابط إلى ميدان التحرير توحد فيها هتافنا و مشاعرنا.
06/22/11

إنطبعات عن إلتقاء الطيورالثانى

إستمتعت بلقاء الطيور الثانى و إن كان قد اختلف فى المزاق عند اللقاء الأول. و هنا أود ان اوضح  ان هذه اللقاءات فى رأيى ما هى الا محاولات لإستحضار حالة فكرية  او استلهام روح معينة أحسسنا بها فى الميدان و ليس الهدف منها خلق توافق بشكل مباشر و الإتفاق على خطوات واضحة للتحرك الثورى او السياسى. هذه اللقاءات هى فرصة لتنشيط الوعى الجمعى و تحفيزه و ليس توجيهه بصورة مباشرة فى اى إتجاه. و يقوم بإدارة هذه العلمية علاء عبد الفتاح بقدر عال من الحرفية ممزوجة  بالديكاتورية المحمودة. 
افتقد هذا اللقاء الحميمية و التفاعل النشط الذى لمسته فى اللقاء الأول و ممكن تعليل ذلك لسييبن. أولاً: العدد المهول للحضور الذى تجاوز الطاقة الاستيعابية لمسرح روابط، ثانياً: الموضوع نفسه الذى تناول جهاد االنشطاء فى العشر سنين السابقة للثورة و هو موضوع -على جمالة و اهميته- لا يمثل قضية ملحة كما كان هو الحال فى اللقاء الأول. و أود هنا أن اسجل انطباعاتى:

  • كثير من المظاهرات الكبيرة منذ عام 2000 كانت تبدأ بإعتراض على أحداث فى محيطنا العربى وبالخاصة فلسطين و لكن سرعان ما كنت تتحول هذه المظاهرات إلى إنتقاد للنظام السياسى فى مصر
  • المظاهرات الحاشدة  ضد حرب العراق فى 20 مارس 2005 و الإحتكاك بقوات الأمن فى ذلك الوقت كانت اول تجربة عملية لكسر حاجز الخوف و إكشفت فيها الجماهير ان وجودها بكثافة يفقد الجهاز القمعى هيبته و انهم قادرون على “إمتلاك الشارع” و هذا بالرغم من ان   قوات الأمن قامت بإعتقال ما يقرب من 2000 متظاهر فى ذلك الوقت.   
  • الإنترنت لعبت دور مهم فى تنظيم النشطاء حتى قبل ظهور الشبكات الإجتماعية.
  • التعاون بين اليسار و الإخوان بدء فى الجامعات منذ 2005 و كان ضد سيطرة امن الدولة على الإنتخبات الطلابية. 
  • لعب الإعلام الحر (مثل قناة الجزيرة) دور مهم فى إلقاء الضوء على أحداث تم فيها كسر المحرمات السياسية، مثل المنادة بإسقاط النظام و تدمير صور حسنى مبارك فى المظاهرات العمالية.
  • نظاهرات المحلة فى فبراير 2008 و القمع الأمنى و شجاعة العمال فى ذلك الوقت جعلت وائل خليل و حسام الحملاوي مؤمنون بحتمية سقوط النظام.
  • النشطاء اليساريون كانوا فى الصفوف الأولى فى المظاهرات و الإحتجاجات و لكنهم لا يدعون القيادة. كانت الجماهير تتحرك بوعى و بتنظيم ذاتى اذهل وائل خليل و كأنها مستوعبة كل التراث البشرى عن الثورات و الإنقلابات الكبرى
  • يتفق النشطاء ان المظاهرات و الإحتجاجات قبل 2011 كانت لها دور مهم فى التمهيد للثورة. 
  • كثيرمن الحضور شعروا انهم لم تتاح لهم الفرصة لإبداء آراءهم و لهذا يجب ان نفكر فى ألية لجعل مشاركة الحضور اوسع فى الندوات القادمة و سوف اقوم بعمل تدوينة عن بعض الأفكار فى هذا المجال. 

06/13/11

إنطبعات عن إلتقاء الطيور الاول

بالأمس حضرت الندوة التى دعا إليها علاء عبد الفتاح للتوترجية (الناشطين المستخدمين لتويتر) التى حاولت ان نسلط بعض من الضوء عن تصور “الإسلاميين” عن السياسة و الحكم فى مصر. و كان هناك خمسة متحدثين رئسيين من شباب الإخوان، أربعة منهم أنفصلوا من الجماعة و الأخر مازال عضوا بها و ذلك بالإضافة للحضور الذى كانوا من الأطياف متعددة (سلفيين، لبراليين، يساريين، أناركيين، و غير محددى التوجه). 
و احب هنا ان اسجل بعض إنطبعاتى:
  • إدارة الحوار الرائعة التى قام بها علاء نجحت فى تقليل حدة التوتر و خلق مناخ فيه إستلهام لروح ميدان التحرير
  • الشباب الخمسة كانوا على درجة عاليه من التفتح و الصراحة و هذا و إن كان فى بعض الإحيان هجوم ضارى و إستنكار لمواقف قيادات الإسلاميين
  • وجدت نفسى معجب بكلام إبراهيم الهضيبى و تركيزه على أن الإسلام لا يمكن أن يتم رؤيته من خلال منظور إيديلوجى
  • الهضيبى إيضا قام بتوضيح ان الإخوان لا يمكن رؤينهم من خلال إطار فكرى متناسق و ذو إتجاه واحد خاصة فيما يتعلق بالحريات و علاقة الجماعة بالمجتمع. هناك أريعة تيارت فكرية داخل الجماعة الإن و هى: التيار التابع لفكر المؤسس حسن البنا، تيار يتبع أفكار سيد قضب، تيار سلفى، و تيار أزهرى (هذا هو الأقرب للهضيبى و يتميز بعدم إحادية الرؤية)
  • شهدت الندوى بعض التصادم الفكرى الغير عنيف خصوصاً عندما أعلن نعض من الإسلاميين عما يرونه كمسلمات لحل بعض القضايا الشائكة مثل الإحتكام برأى الجماعة و الأزهر الشريف
  • كان هناك توافق عام لكل من حضروا الندوة عن ضرورة العمل المشترك
  •  كان هناك تباين واضح فى أراء الأسلاميين فى موقفهم من الإمبريالية و التعامل مع الأخر غير الإسلامى
  • أثارت الندوة بعض الإشكاليات التى لم يتم التعرض لحلها بشكل مرضى، أهمها:
    • كيفية القيام بعمل توافق بين الحرية و الشريعة و ما هو مدلول “الحرية التى لا تعارض بينها و بين الشريعة”
    • ما هى الأليات التى ممكن ان تساعدنا فى بناء وطن يتسع لكل ابناءة على خلاف تواجهاتهم الفكرية او الإيديلوجية او الدينية. و لعل مقال علاء رؤية غير مكتملة الملامح على هذا الطريق
    • كيفية فض الإشتباك فى بعض النقاط التى يعلن الإسلاميين ان ليس هناك أي مساومة عليها
    • كيفية إعادة جو  الثقة على مستوى واسع (اكبر من حضور الندوة) و ذلك بعد ان اصبح هناك جوا من التوجس من الأخر مستشرى فى أطياف المجتمع المتعددة. 
  • تبين جلياً فى هذا الندوة انه عندما نتحدث بعضنا لبعض بعيدا عن خنادقنا الفكرية يمكن ان نخلق أرضية مشتركة للتوافق. التواصل على المستوى الإنسانى أهم من المبارزات الفكرية.