إنطباعات عن إلتقاء الطيور الرابع: عن الإقتصاد
بداية اعتذر لقراء مدونتى عند عن عدم الكتابة عن إلتقاء الطيور الثالث الذى تم فى الأسكندرية و ذلك لظروف عملى التى حالت بينى و حضور هذه اللقاء الرائع.
كنت متحمساً جداً لهذه الندوة التى حاول فيها المشاركون تلمس شكل النظام الإقتصادى فى مصر بعد الثورة و معنى العدالة الإجتماعية و كيفية تطبيقها. المعروف للجميع ان تحقيق العدالة الإجتماعية مطلب رئيسى و كان الهتاف الأول للثورة “عيش، حرية، كرامة إنسانية” تعبيراً عن هذا و طلباً فى إعادة تنظيم المجتمع بشكل جديد.
و قد كان تجاهل كثيراً من النخب الفكرية لحقوق الفقراء و حصر خطابهم فى جدل حول مسار التحول الديمقراطى المختزل فى “الدستور اولاُ” او “الإنتخابات اولاً” سبباً فى ذياع سيط المدونة محمد ابو الغيط “الفقراء اولاً يا ولاد الكلب“. و تفاقم الحال لدرجة ان كلمة “نخبة” اصبحت سبة و كأن كل من صنف ضمن هذا الفريق منفصل عن مجتمعه و يعيش فى برج عاجى ينظّر فيه بعيداً عن آلام الواقع و مرارته. و نحن الأن على أعتاب جمعة 8 يوليو نجد من يطلقون على هذا اليوم “جمعة الفقراء اولاً”. لكنى لا ارى نفسى موافق فى إختزال اولوية العمل الثورى فى شعار كهذا كما عبر عن ذلك عمرو عزت فى مقاله الرائع. و بعيداً عن الإختزالات فقد آن الأوان للحديث عن الإقتصاد و شكله بعد الثورة و بناء ارضية مشتركة تستوعب الإختلافات و توحد الغايات.
فى هذه الندوة حاول علاء عبد الفتاح ان يتغلب على بعض المشاكل التى بدت جلية فى اللقاء الثانى من عدم إحساس كثير من الحضور بالتفاعل و المشاركة. كان النصف الأول للندوة مخصصاً لحوار مفتوح مع الحضور يطرحون فيه رؤاهم لمعنى العدالة الإجتماعية و يتم فى النصف الثانى توجيه اسئلة للمتحدثين بناء على ما طرحة الحضور من آراء و تساؤلات. و نجحت هذه الطريقة فى التنظيم الى حد كبير فى زيادة تركيز و مشاركة الحضور و تحركت حبال الحديث بوتيرة سريعة جعلتها امتع تويت ندوة حضرتها.
المتحدثين كانوا فريقان: إشتراكيون ممثلون فى خالد على و وائل جمال و لبنى درويش و ليبراليون ممثلون فى وائل نوارة و مينوش عبد المجيد. احب هنا ان القى الضوء على بعض مجريات الندوة:
- كان هناك اتفاق على ان العدلة الإجتماعية مطلب اساسى يحب ان يتم السعى إلى تحقيقه.
- اختلف الحضور و المتحدثون عن مدلول العدالة الإجتماعية. البعض رأى انها تعنى تحقيق حد ادنى من الحياة الإنسانية و أخرون تكلموا على وجوب إلغاء التفاوتات الطبقية الشاسعة
- ابدى كثير من اللبرالييون توجسهم من افكار لبنى درويش الراديكلية
- كان هناك إتفاق على ضرورة فرض ضرائب تصاعدية و لكن بعد الحضور من الرأسماليين ابدوا انزعاجهم عندما ذكرت ارقام مثل 75% من الدخل او الربح
- بينما طالب الإشتراكيون بضرورة إتاحة الفرصة لأطر جديدة لتنظيم الحركة الإقتصادية لم يكونوا واضحيين بالقدر الكافى فى كيفية عمل ذلك. كان هناك بعض التناقض بين اهمية دور الدولة فى لعب دور اكبر فى الحركة الإقتصادية و فى نفس الوقت دعوة لعدم بناء بيروقراطية قد تقتل قدرة المواطنيين على حل مشاكلهم الإقتصادية بنفسهم.
- وضح الإشتراكيون انهم لا يدعون لأفكار بالية كرأسمالية الدولة و نموذج الإتحاد السوفييتى و لكن هم يريدون اشكال جديدة لتنظيم الحركة الإقتصادية فيها بعد إنسانى.
- الليبراليون اشاروا إلى ان ما طبق فى مصر فى العقود السابقة لم يكن إقتصاداً رأسمالى حر و لكن كانت رأسمالية محاسيب يتم فيه وضح كثيراً من العراقيل امام صغار المستثمرين
- إعترف الليبراليون بمشاكل الإقتصاد الحر (خاصة النموذج الأمريكى) و ما يسببه من تذبذب و إنهيارت إقتصادية مع ما يصاحب ذلك من الظلم الإجتماعى و لكنهم رأوا انه لا خيار من المضى قدماً فى هذه المنظومة مع ترشيد مساؤها من خلال تفعيل أليات للرقابة الإقتصادية و سن القوانين التى تشجع على المنافسة و تمنع الإحتكار.
- اتفق الفريقان على ضرورة اعطاء الفرصة و الحرية للطبقة العاملة فى إكتشاف حلول جديدة لمشاكلهم الإقتصادية و إن كانوا عبروا عن أراء متباينة فيما بيهم عن دور الدولة فى تحقيق ذلك.
- يرى كاتب هذه السطور ضرورة ان يتم بناء نماذج محاكاه (Simulation models) لتقييم اى سياسات على الحركة الإقتصادية و تأثيرها على توزيع الثروة و جودة الحياة لدى المواطنين (Quality of life). هذه النماذج لا يمكن فى اى حال من الأحوال ان تحاكى الواقع بكل تعقيداته و لكنها فى تباينها تكشف عن الإفتراضات التى قام بها مصميها و تعطى إطاراً علمياً يتم فيه مناقشة الأفكار و تنقيحها و التعلّم من الواقع بعيداً عن الحلول الإيديلوجية المعلبة. و اود ان اذكر هنا المجهودات التى تمت فى هذا المضمار من الباحثون فى علم المتداخلات (Complexity Science) و الموجة الثالثة فى النمذجة الإجتماعية.
- فى نهاية الندوة احسست اننا بدأنا فى الإقتراب من توضيح غايات النظام الإقتصادى المنشود و ان كنا نسعى إليه من خلفيات فكرية متباينة. ارجوا ان يستمر هذا الحوار و ان نستثمر فترة إعتصامنا المقبلة فى التوافق على هذه الغايات و لنفكر فى حلول مبتكرة لتحقيقها.
- فى نهاية الندوة قمنا بمظاهرة رائعة من مسرح روابط إلى ميدان التحرير توحد فيها هتافنا و مشاعرنا.